الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1328- مالك عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر قال أبو عمر هذا الحديث متصل من حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواه يحيى القطان وعبد الله بن إدريس وأبو أسامة والدراوردي وغيرهم عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في ((التمهيد)). وأما بيوع الغرر فإنها لا يحاط بها ولا تحصى ولكنا نذكر منها ما ذكره مالك في (( الموطأ)) ويأتي في ذلك ما هو دليل على ما سواه - إن شاء الله عز وجل قال مالك ومن الغرر والمخاطرة إن يعمد الرجل قد ضلت دابته أو أبق غلامه وثمن الشيء من ذلك خمسون دينارا فيقول رجل أنا آخذه منك بعشرين دينارا فإن وجده المبتاع ذهب من البائع ثلاثون دينارا وإن لم يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين دينارا قال مالك وفي ذلك عيب آخر إن تلك الضالة إن وجدت لم يدر أزادت أم نقصت أو ما حدث بها من العيوب فهذا أعظم المخاطرة قال أبو عمر اختلف الفقهاء في بيع الآبق فتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أنه لا يجوز بيع الآبق إلا أن يدعي مشتريه معرفته فيشتريه ويتواضعان الثمن فإن وجده على ما يعرف قبضه وجاز البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان من مال البائع ويرد الثمن إلى المشتري قال مالك وإذا اشتريت عبدا في أباقه فضمانه على البائع لأن البيع فاسد فإن قدرت على العبد فقبضته لم يجز البيع قال وإن كان الآبق عند المشتري فإن علم البائع حاله جاز البيع لأنه قد يزيد وينقص فجائز من أن يعرف البائع حاله كما يعرف المشتري. وقال الشافعي والحسن بن حي والثوري وعبيد الله بن الحسن لا يجوز بيع الآبق على حال قال أبو عمر لعدم التسليم لأن بيع الأعيان غائبه لا يجوز وصفت أو لم توصف عند الشافعي ولا يجوز عنده بيع الموصوف إلا مضمونا في الذمة وقد أجمعوا أنه من اشترى شيئا من الحيوان معينا واشترط إلا يسلمه إلا بعد شهر أو نحوه أن ذلك لا يجوز. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه وقال عثمان البتي لا بأس ببيع العبد الآبق والبعير الشارد وإن هلك فهو من مال المشتري وإن اختلفا في هلاكه فالبينة على المشتري أنه هلك قبل عقد الشراء وكذلك المبتاع كله عنده قال أبو عمر قول عثمان البتي مردود بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولا حجة لأحد في جهل السنة ولا في خلافها وقد أجمع علماء المسلمين أن مبتاع العبد الآبق والجمل الشارد وإن اشترط عليه البائع أنه لا يرد الثمن الذي قبضه منه قدر على العبد أو الجمل ولم يقدر أن البيع فاسد مردود وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق وعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن شراء ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء الغنائم حتى تقسم قال أبو عمر اختلفوا مما في هذا الحديث في بيع لبن الغنم أياما فقال مالك لا بأس بذلك إذا عرف حلابها ولم يجز ذلك في الشاة الواحدة. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وسائر الفقهاء لا يجوز ذلك إلا بكيل قال أبو عمر لم يجيزوا بيع لبن الغنم في ضروعها لوجهين أحدهما أن ذلك بيع عين غير مرئية ولا معلوم مبلغها وقدرها لأنها قد تزيد وتنقص على قدر المرعى والسلامة من الآفات وإن كان أياما فهو بيع شيء غير مخلوق ولأنه لا يتميز الطاوي من اللبن بعد العقد وأجازه مالك ذلك لأنه عنده من المعلوم في الأغلب حلاب غنم بأعيانها قد عرف ذلك منها وإن اختلفت في الأيام فذلك يسير والغرر باليسير معفو عنه عند الجميع قال مالك والأمر عندنا أن من المخاطرة والغرر اشتراء ما في بطون الإناث من النساء والدواب لأنه لا يدري أيخرج أم لا يخرج فإن خرج لم يدر أيكون حسنا أم قبيحا أم تاما أم ناقصا أم ذكرا أم أنثى وذلك كله يتفاضل إن كان على كذا فقيمته كذا وإن كان على كذا فقيمته كذا قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه وقد اتفق العلماء على أن بيع ما في بطون الإناث لا يجوز لأنه غرر وخطر ومجهول وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن بيع الغرر وعن بيع الملامسة وعن بيع الحصى وعن بيع حبل حبلة وهذا كله بيع ما لا يتأمل وبيع ما لا يرى ويجهل وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما في بطون الإناث لأنه غرر حتى تضع قال مالك ولا ينبغي بيع الإناث واستثناء ما في بطونها وذلك أن يقول الرجل للرجل ثمن شاتي الغزيرة ثلاثة دنانير فهي لك بدينارين ولي ما في بطنها فهذا مكروه لانه غرر ومخاطره قال أبو عمر قد مضى القول في هذه المسألة في أول هذا الكتاب قال مالك ولا يحل بيع الزيتون بالزيت ولا الجلجلان بدهن الجلجلان ولا الزبد بالسمن لان المزابنة تدخله ولأن الذي يشتري الحب وما أشبهه بشيء مسمى مما يخرج منه لا يدري أيخرج منه أقل من ذلك أو أكثر فهذا غرر ومخاطرة قال مالك ومن ذلك أيضا اشتراء حب البان بالسليخة فذلك غرر لأن الذي يخرج من حب البان هو السليخة ولا بأس بحب البان بالبان المطيب لان البان المطيب قد طيب ونش وتحول عن حال السليخة قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله - فهو كما ذكره يدخله المزابنة والغرر وكذلك هو عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء لا يجوز عندهم بيع الزيتون بالزيت على حال ولا الشيرج بالسمسم ولا نبيذ التمر بالتمر وقال الأوزاعي يجوز شراء زيتونة فيها زيتونة بإمداد من زيتون وكذلك شاة بها لبن بأقساط من لبن لأن ما في الشجرة والضرع لغو قال مالك لا بأس بشاة عليها صوف بصوف ولا بأس بالشاة اللبون باللبن يدا بيد ولا يجوز نسيئه وإن كانت غير لبون جاز الأجل قال ولا بأس بالشاة اللبون بطعام إلى أجل لأن اللبن من الشاة وليس الطعام منها قال وكذلك التمر بالنوى لا بأس به إلى أجل قال والشاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل جائز إن لم تكن شاة لحم وكانت تقتنى وإن كانت شاة لحم فلا قال وكذلك السمن إلى أجل بشاة لبون ولا يجوز وإن لم يكن منها لبن جاز ويجوز الجميع يدا بيد وفي ((العتبية)) لابن القاسم عن مالك أنه لا يجوز اللبن بالشاة أيهما عجل وأخذ صاحبه وقال سحنون الذي أعرفه من بن القاسم وقاله لي غير مرة أنه إذا قدم اللبن في الشاة اللبون فلا بأس به إذا كانت الشاة معجلا واللبن إلى أجل. وأما إذا كانت الشاة اللبون معجلة واللبن إلى أجل فهو حرام لا يجوز وروى يحيى عن بن القاسم أنه قال لم يحرم مالك الشاة اللبون باللبن إلى أجل من أجل أنه طعام بطعام إلى أجل ولكن من أجل المزابنة قال أبو عمر اختلاف أصحاب مالك في هذا الباب من المزابنة وشبهها كثير جدا وقد ذكرناه في كتاب اختلافهم ويجوز عند أبي حنيفة وأصحابه بيع الزيت بالزيتون وبيع الصوف بالشاة والنوى بالتمر على الاعتبار وكذلك الشاة التي في ضرعها لبن بلبن وذلك بأن يكون اللبن الذي في ضرع الشاة أقل من اللبن فيكون ما زد على مقداره ثمنا للشاة وكذلك الزيت يكون أقل مما في الزيتون من الزيت وكذلك الصوف والشاة وقد ذكرنا هذا المعنى من مذهبهم واضحا في الصرف وذكرنا مذهب الشافعي في المزابنة وما كان مثلها فيما تقدم. وأما قول مالك أنه لا بأس تجب ألبان المطيب فهو مذهبه في اللحم الطري بالمطبوخ وكل ما غيرته الصنعة وخالفته في الغرض فيه بينه وبين غيره لا بأس عنده باللحم المطبوخ بالإناء بل باللحم النيء متفاضلا ومتماثلا يدا بيد ولا يباع - عنده - اللحم الرطب بالقديد إلا مثلا بمثل ولا متفاضلا. وقال الشافعي لا يجوز بيع اللحم من الجنس الواحد مطبوخا منه بنيء منه بحال إذا كان إنما يدخر مطبوخا وكذلك المطبوخ بالمطبوخ لأنه لا يدري التساوي فيهما ولا ما أخذت النار من كل واحد منهما وقال الطحاوي قياس قول أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يباع النيء بالمشوي إلا يدا بيد مثلا بمثل إلا أن يكون في احدهما شيء من التوابل فيكون الفصل في الآخر للتوابل قال أبو عمر يجيء على قياس قول أبي حنيفة ما ذكره الطحاوي قياسا على قوله في البر المقلو بالبر ويجيء أيضا على قوله في جواز الحنطة المبلولة باليابسة جواز ذلك وقد خالفه أبو يوسف فيه وقد تقدم ذكر ذلك في بابه والحمد لله كثيرا قال مالك في رجل باع سلعة من رجل على أنه لا نقصان على المبتاع إن ذلك بيع غير جائز وهو من المخاطرة وتفسير ذلك أنه كأنه استأجره بربح أن كان في تلك السلعة وإن باع برأس المال أو بنقصان فلا شيء له وذهب عناؤه باطلا فهذا لا يصلح وللمبتاع في هذا أجرة بمقدار ما عالج من ذلك وما كان في تلك السلعة من نقصان أو ربح فهو للبائع وعليه وإنما يكون ذلك إذا فاتت السلعة وبيعت فإن لم تفت فسخ البيع بينهما قال مالك فأما أن يبيع رجل من رجل سلعة يبت بيعها ثم يندم المشتري فيقول للبائع ضع عني فيأتي البائع ويقول بع فلا نقصان عليك فهذا لا بأس به لأنه ليس من المخاطرة وإنما هو شيء وضعه له وليس على ذلك عقدا بيعهما وذلك الذي عليه الأمر عندنا قال أبو عمر هذا البيع لا أعلم خلافا في انه لا يجوز فيه لأن الثمن فيه مجهول الشرط البائع للمبتاع أنه ما خسر فيه وانحط من ثمنه فهو ضامن له وذلك في عقد صفقته فهو بيع فاسد لأنه يؤول إلى ثمن مجهول. وأما قوله له بعد تمام البيع بع ولا نقصان عليك فهي عدة وعده بها وقد اختلف قول مالك في وجوبها والقضاء بها وقال بن وهب يرضيه بحسب ما يشبه من ثمن السلعة أن يقبضه البيع من ثمنها وقال أشهب يرضيه بحسب ما أراد ونوى. وأما الشافعي وأبو حنيفة فلا يريان وجوب شيء من العدات ويستحبان الوفاء بها والله الموفق. 1329- مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة قال مالك والملامسة أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يتبين ما فيه أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الاخر إليه ثوبه على غير تأمل منهما ويقول كل واحد منهما هذا بهذا فهذا الذي نهي عنه من الملامسة والمنابذة قال أبو عمر كان بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع الحصى بيوعا يتبايعها أهل الجاهلية وكذلك روي عن أبي سعيد وبن عمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ومعناها يجمع الخطر والغرر والقمار لأنه بغير تأمل ولا نظر ولا تقليب ولا يدري حقيقة ما اشترى وتفسير مالك لذلك وغيره من العلماء قريب من السواء وهو معنى ما ذكرنا وكذلك بيع الحصى وذلك أن تكون ثياب مبسوطة فيقول المبتاع للبائع أي ثوب من هذه الثياب وقعت عليه الحصى التي أرمي بها فهي لي فيقول له البائع نعم فهذا كله وما كان مثله من شراء ما لا يقف المبتاع على عينه وقوف تأمل له وعلم به ولا يعرف مبلغه هو بيع فاسد في معنى ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني المطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن بن شهاب قال أخبرني عامر بن سعد أن أبا سعيد الخدري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين ونهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة أن يلمس الرجل الثوب بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما على غير نظر ولا تأمل وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي ألفاظه في ((التمهيد)) وسيأتي ذكر اللبستين عند ذكر اللبسة الصماء من الجامع إن شاء الله تعالى وتفسير الشافعي في الملامسة والمنابذة على نحو تفسير مالك لذلك قال الشافعي ومعنى الملامسة أن يأتي بالثوب مطويا فيلمسه المشتري أو يأتي به في ظلمة ويقول رب الثوب أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرت إليه فلا خيار لك والمنابذة أن يقول أنبذ إليك ثوبي هذا وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار لنا إذا عرفنا الطول والعرض قال أبو عمر هذا قول الشافعي يدل على صحة ما روي عنه وما روى عنه الربيع في أنه يجيز البيع على خيار الرؤية. وقال أبو حنيفة وأصحابه الملامسة والمنابذة بيعان لأهل الجاهلية كان إذا وضع يده على ما ساوم به فقد ملكه وإذا نبذه إليه فقد ملكه ووجب الثمن المذكور عليه وإن لم تطب بذلك نفسه فذلك قمار لا يتابع وقال بن شهاب الزهري الملامسة كان القوم يتبايعون السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها والمنابذة أن ينابذ القوم السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها وقال ربيعة الملامسة والمنابذة من أبواب القمار قال أبو عمر مما اتفقوا عليه أنه من باب الملامسة بيع الأعمى والمس بيده أو بيع البز وسائر السلع ليلا دون صفة قال مالك في الساج المدرج في جرابه أو الثوب القبطي المدرج في طيه إنه لا يجوز بيعهما حتى ينشرا وينظر إلى ما في أجوافهما وذلك أن بيعهما من بيع الغرر وهو من الملامسة قال مالك وبيع الأعدال على البرنامج مخالف لبيع الساج في جرابه والثوب في طيه وما أشبه ذلك فرق بين ذلك الأمر المعمول به ومعرفة ذلك في صدور الناس وما مضى من عمل الماضين فيه وأنه لم يزل من بيوع الناس الجائزة والتجارة بينهم التي لا يرون بها بأسا لأن بيع الأعدال على البرنامج على غير نشر لا يراد به الغرر وليس يشبه الملامسة قال أبو عمر سيأتي القول في بيع البرنامج في بابه إن شاء الله عز وجل. وأما بيع الثوب في طيه دون أن ينظر إليه فلا يجوز عند الجميع لأنه في معنى بيع الملامسة لأنه لا يرى فيه إلا طاقة واحدة فإن عرف ذرعه في طوله وعرضه ونظر إلى شيء منه فاشترى عليه كان ذلك جائزا فإن خالف كان ذلك عينا كسائر العيون إن شاء قام به وإن شاء رضيه. 1330- قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في البز يشتريه الرجل ببلد ثم يقدم به بلدا آخر فيبيعه مرابحة إنه لا يحسب فيه أجر السماسرة ولا أجر الطي ولا الشد ولا النفقة ولا كراء بيت فأما كراء البز في حملانه فإنه يحسب في أصل الثمن ولا يحسب فيه ربح إلا أن يعلم البائع من يساومه بذلك كله فإن ربحوه على ذلك كله بعد العلم به فلا بأس به قال مالك فأما القصارة والخياطة والصباغ وما أشبه ذلك فهو بمنزلة البز يحسب فيه الربح كما يحسب في البز فإن باع البز ولم يبين شيئا مما سميت أنه لا يحسب له فيه ربح فإن فات البز فإن الكراء يحسب ولا يحسب عليه ربح فإن لم يفت البز فالبيع مفسوخ بينهما إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما قال أبو عمر هذا كله لمن باع مرابحة للعشرة أحد عشر أو للدينار درهم أو نحو ذلك ومن باع السلعة على أن الربح في جميع ثمنها كلا فإنه يحسب فيها ما كان لدنانيره في عين السلعة كالصبغ والخياطة والقصارة وله أن يعرفه بكل ما قامت عليه السلعة من كراء فأخذه سمسار وطي وشد ونحو ذلك فإن رضي فأخذ السلعة على ذلك وأربحه عليه طاب ذلك له. وأما الشافعي فلم أجد في كتبه جوابا في هذه المسألة لا في كتاب المزني ولا في كتاب ((البويطي)) إلا أن من قوله إن كل ما كان صلاحا للمبتاع مما هو عين قائمة فيه أو أمر له قيمة فسبيله سبيل نفس المبتاع وقوله مثل ما قاله أبو ثور على ما نذكره إن شاء الله عز وجل. وقال أبو حنيفة إذا اشترى متاعا فله أن يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة والكراء ويلحق بالرقيق الكسوة والنفقة وكذلك أجر السمسار ويقول في جميع ذلك قام علي بكذا ولم يختلف أصحابه في هذه الجملة وقال الأوزاعي يرفع فيه كراؤه ونفقته ثم يبيعه بعد ذلك مرابحة. وقال أبو ثور الذي نقول به إن المرابحة لا تجوز إلا على الثمن الذي اشتراه به ولكنه إن أحب أن يحسب جميع ما أنفق عليه وما لزمه فيه من شيء لم يقل قام علي بكذا وكذا فذلك جائز ولا يقل اشتريته بكذا وكذا فيكون فإن باعه على أنه اشتراه بكذا وقد حمل عليه ما أنفق فالبيع مفسوخ وإن استهلك المشتري المتاع كان عليه القيمة ويرجع بالثمن قال وما أنفق على المتاع وعلى الرقيق في طعامهم ومؤنتهم وكسوتهم حسب عليه قام علي بكذا أو كذا ولا يحسب في ذلك نفقة ولا كراء قال مالك في الرجل يشتري المتاع بالذهب أو بالورق والصرف يوم اشتراه عشرة دراهم بدينار فيقدم به بلدا فيبيعه مرابحة أو يبيعه حيث اشتراه مرابحة على صرف ذلك اليوم الذي باعه فيه فإنه إن كان ابتاعه بدراهم وباعه بدنانير أو ابتاعه بدنانير وباعه بدارهم وكان المتاع لم يفت فالمبتاع بالخيار ان شاء أخذه وإن شاء تركه فإن فات المتاع كان للمشتري بالثمن الذي ابتاعه به البائع ويحسب للبائع الربح على ما اشتراه به على ما ربحه المبتاع قال أبو عمر قوله هذا قول حسن جدا وهو قول الليث وهو من باب الكذب والخيانة في المرابحة وستأتي المسألة في ذلك بعد. وقال مالك فيمن اشترى سلعة بدنانير فأعطى في الدنانير عروضا أو دراهم أنه لا يبيع مرابحة حتى يبين ما نفذ وكذلك لو اشترى بدين له على رجل لم يبعه حتى يبين وهو قول الليث وكذلك لو وجد عيبا لم يرجع إلا ما أعطى. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترى سلعة بألف درهم ثم باعه بالألف الدرهم عروضا أو أعطى فيها ذهبا فإنه يبيعها مرابحة على ألف درهم ولايبين وهوقول الحسن بن حي وقالوا لو وجد المشتري عيبا ورد السلعة بالعيب لم يرجع إلا بالثمن الذي عقد سلعته عليه ومن حجتهم أنه جائز له بيعها مرابحة على ما عقد قبل أن ينقض ثم يعطيه بعد ذلك فيه عروضا أو ذهبا أو ما اتفقا عليه وقد اختلف بن القاسم وأشهب في الذي يشتري السلعة بطعام أو عرض هل يبيعها مرابحة فقال بن القاسم ذلك جائز على ما اشترى من العروض والطعام ولا يجوز له أن يبيعها على قيمتها وقال أشهب لا يجوز لمن اشترى سلعة بشيء من العروض أن يبيعها مرابحة لأن ذلك من بيع ما ليس عنده وقال الأوزاعي لو اشترى السلعة بنسيئة وباعها مرابحة ولم يبن فإن للمشتري مثل أجله. وقال أبو ثور وهو كالعيب وقال أبو عمر قول الأوزاعي هو قول شريح له مثل نقده وأجله وبه قال أبو ثور قال مالك وإذا باع رجل سلعة قامت عليه بمائة دينار للعشرة أحد عشر ثم جاءه بعد ذلك أنها قامت عليه بتسعين دينارا وقد فاتت السلعة خير البائع فإن أحب فله قيمة سلعته يوم قبضت منه إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي وجب له به البيع أول يوم فلا يكون له أكثر من ذلك وذلك مائة دينار وعشرة دنانير وإن أحب ضرب له الربح على التسعين إلا أن يكون الذي بلغت سلعته من الثمن أقل من القيمة فيخير في الذي بلغت سلعته وفي رأس ماله وربحه وذلك تسعة وتسعون دينارا قال مالك وإن باع رجل سلعة مرابحة فقال قامت علي بمائة دينار ثم جاءه بعد ذلك أنها قامت بمائة وعشرين دينارا خير المبتاع فإن شاء أعطى البائع قيمة السلعة يوم قبضها وإن شاء أعطى الثمن الذي ابتاع به على حساب ما ربحه بالغا ما بلغ إلا أن يكون ذلك أقل من الثمن الذي ابتاع به السلعة فليس له أن ينقص رب السلعة من الثمن الذي ابتاعها به لأنه قد كان رضي بذلك وإنما جاء رب السلعة يطلب الفضل فليس للمبتاع في هذا حجة على البائع بأن يضع من الثمن الذي ابتاع به على البرنامج قال أبو عمر إنما قال على البر نامج لأن بيع المرابحة عنده للعشرة أحد عشر والمعهود عند أهل المدينة في بيع البرنامج وهو الذي يسميه أهل العراق ((ده دوازده)) للعشرة أحد عشر وذكر أبو عبد الله المروزي هذه المسألة فقال إذا أقر البائع أنه كذب في الشراء وزاد وقامت بذلك بينة فلذلك كله سواء عند بن أبي ليلى وأبي يوسف والشافعي وعبيد الله بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبي ثور كلهم يقول تحط عن المشتري الزيادة التي كذب فيها البائع وما أصابها من الربح واختاره المزني. وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن إذا اشترى إذا علم المشتري فهو بالخيار في أخذه السلعة بالثمن الذي سمى له أو يفسخ البيع وروى الربيع عن الشافعي في مسألة الخيانة والكذب في المرابحة أن المشتري بالخيار بين أن يأخذ المبيع بالثمن الذي سمى به البائع أو يفسخ البيع قال ولا ترد عنه الخيانة فيرجع إلى ثمن مجهول لم ينعقد البيع بينهما به والقولان عند الشافعي في هذه المسألة محمولان ولم يختلف قوله أن البائع لو ادعى الغلط وذكر زيادة في الثمن فأقام بذلك بينة أنه لا يسمع القاضي منها لأنه مكذب لها ويسمع البينة عند مالك ويخير المبتاع على حسب ما ذكر وروى زيد بن أبي الزرقاء عن الثوري قال إذا ابتاع الرجل بيعا بمائة دينار فقال للمشتري اشتريته بمائتين فاشتراه منه على ذلك بربح خمسين فالبيع جائز فإذا تبين بعد ذلك أنه اشتراه بمائة دفع للمشتري الزيادة وما أصابها من الربح قال وإن ابتاعه بذهب أو ده دوازده وكذلك أيضا قال فإن اشتراه بمائة ثم قال اشتريته بمائتين ثم باعه مساومة بمائتين وخمسين فأكثر فالبيع جائز وله ما باعه به وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال إذا علم المشتري فهو بالخيار بين رد المتاع وأخذ الثمن الذي اشتراه به لا ينقص منه شيئا وإن كان المشتري قد استهلك المتاع أو بعضه فالثمن لازم له لا يحط عنه شيء من ذلك وكذلك لو أقر البائع بخيانته في الزيادة أو قامت عليه بينة بذلك لم يرجع المشتري في شيء من الثمن وذكره الطحاوي عنهم قال أبو حنيفة يحط في التولية ولا يحط في المرابحة وله الخيار قال وقال محمد لا يحط فيهما وله الخيار وهو قول زفر وقال أبو يوسف وعبيد الله بن الحسين يحط منهما وهو قول بن أبي ليلى وقال عثمان البتي والحسن بن حي في المرابحة له الخيار وهو قول مالك ولا يحط عنه شيء قال مالك وإذا دخلها عيب عند المشتري أو حالت الأسواق فالبيع فاسد فلا يردها ويرد القيمة قال مالك فإن فاتت السلعة وكانت قيمتها نصف ما وزن مثل ما وزن المبتاع أو أكثر فلا شيء وإن كانت أقل لزمته القيمة تمام القيمة إلا أن يكون أكثر مما وزن فلا تلزمه الزيادة وإن كانت قائمة أخذ الجميع أو رد قال. وقال الشافعي يحط في المرابحة قال أبو عمر يعني مثل قول الثوري وهو قول أبي ثور قال أبو ثور إذا خانه ثم علم المشتري حط عنه من الثمن الزيادة وربح الزيادة وقال الطبري قياس قول الشافعي أن يكون المشتري بالخيار إذا قامت له البينة بإقرار البائع بالخيانة بين أن ينتقص البيع ويرد السلعة ويرجع بالثمن وبين أن يمضي البيع بما ابتاعها به إن كانت السلعة قائمة وإن كانت مستهلكة فإن له أن يأخذها بما خانه فيه من الثمن وربحه قال أبو عمر من لم ير أن يحط عن المشتري ما كذب فيه البائع وخيره قاسه على العيب لأن العيب نقض دخل على المبتاع وهو فيه مخير إن شاء أخذ وإن شاء رد ومن رأى أن يحط عنه فلأن المشتري إنما ربحه على ما ابتاع به السلعة على غير ذلك فلما خانه وجب أن يرد ما خانه به كما لو خانه في الوزن أو الكيل وجب رد ذلك إلى الحق. 1331- قال مالك الأمر عندنا في القوم يشترون السلعة البز أو الرقيق فيسمع به الرجل فيقول لرجل منهم البز الذي اشتريت من فلان قد بلغتني صفته وأمره فهل لك أن أربحك في نصيبك كذا وكذا فيقول نعم فيربحه ويكون شريكا للقوم مكانه فإذا نظر إليه رآه قبيحا واستغلاه قال مالك ذلك لازم له ولا خيار له فيه إذا كان ابتاعه على برنامج وصفة معلومة قال مالك في الرجل يقدم له أصناف من البز ويحضره السوام ويقرأ عليهم برنامجه ويقول في كل عدل كذا وكذا ملحفة بصرية وكذا وكذا ريطة سابرية ذرعها كذا وكذا ويسمي لهم أصنافا من البز بأجناسه ويقول اشتروا مني على هذه الصفة فيشترون الأعدال على ما وصف لهم ثم يفتحونها فيستغلونها ويندمون قال مالك ذلك لازم لهم إذا كان موافقا للبرنامج الذي باعهم عليه قال مالك وهذا الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا يجيزونه بينهم إذا كان المتاع موافقا للبرنامج ولم يكن مخالفا له قال أبو عمر بيع البرنامج هو من باب بيع الغائب على الصفة وقد اختلف في ذلك السلف والخلف فمنهم من أجازه وأبطل فيه خيار الرؤية إذا وجد على الصفة وهو قول مالك وأكثر أهل المدينة وهو أحد قولي الشافعي في بيع الغائب على الصفة ومنهم من قال للمشتري فيه خيار الرؤية على كل حال وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول ثالث هو الذي اختاره المزني أن البيع في ذلك باطل لأنه لا عين مرئية ولا صفة مضمونة وانهما يفترقان في خيار الرؤية على غير تمام بيع ولا صفقة ومن حجته في ذلك على مالك أنه لم يجز بيع الساج المدرج في جرابه ولا الثوب القبطي في طيه حتى ينشر وينظر إلى ما في أجوافهما قال والنظر إليهما دون نشرهما لصفة البرنامج أو أكثر منها قال وإذا لم يجز ذلك في الثوب الواحد وغرره أقل كان الغرر في الكثير من الثياب أكثر قال أبو عمر قد وقف مالك على معنى ما ذكره الشافعي وقال فرق بين ذلك الأمر المعمول به وما في صدور الناس من معرفة ذلك وأنه لم يزل بيع البرنامج من عمل الناس الجائز بينهم ولا يشبه الملامسة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال إذا ابتاع الرجل منك شيئا على صفة فلم تخالف ما وصفت له فقد وجب البيع قال أيوب وقال الحسن له خيار الرؤية وعن معمر قال أخبرنا الزهري عن بن المسيب قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وددنا لو أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف تبايعا حتى يعلم أنهما أعظم جدا في التجارة قال فاشترى عبد الرحمن من عثمان فرسا من أرض أخرى بأربعين ألف درهم أو أربعة آلاف أو نحو ذلك إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ثم أجاز قليلا فرجع فقال أزيدك ستة آلاف إن وجدها رسولي سالمة قال نعم فوجدها رسول عبد الرحمن قد هلكت وخرج منها بالشرط الآخر قال رجل للزهري فإن لم يشرط قال هي من مال البائع وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فذكر الخبر بمعناه ولم يذكر سعيد بن المسيب وفيه عن الصحابة جواز بيع الغائب إلا أن ظاهره ليس فيه صفة فهو حجة لأبي حنيفة الذي يجيز بيع الغائب على غير صفة فإذا رآه ورضيه صارت الصفقة وتم البيع وإن لم يرضه فلا بيع بينهما والصفة وغير الصفة عند أبي حنيفة وأكثر الكوفيين في باب بيع الغائب سواء لأنه فيه خيار الرؤية ومالك لا يجيزه على ذلك حتى يتواصفاه فإن وجد البيع على الصفة لزم المشتري ولا خيار له إذا رأى. وأما بيع البرنامج فهو أيضا من بيوع المرابحة وهو الذي يسميه أهل العراق بيع (( ده دوازده)) وهو بيع البز والمتاع على الصفات العشرة من رأس المال أحد عشر بالربح ونحو ذلك وقد كرهه قوم وأجازه آخرون فمن كرهه يوجه كراهيته أنه بيع غير حاضرة لم ينظر إليها فدخلت من باب الملامسة والمنابذة والغرر ولم يلتفت من كره ذلك إلى الصفة لأن الصفة إنما تكون في بيع المضمونات على الصفة في الذمة وهو بيع السلم وفيه وجه آخر من الكراهة لأنه قد حسب في برنامجه كل ما اتفق عليه ومن أجازه فلما وصفنا من تبايع الصحابة الأشياء الغالية إما على الصفة وإما على خيار الرؤية ذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن خالد عن بن سيرين قال ((لا بأس ببيع ((ده دوازده)) وتحسب النفقة على الثياب)). وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في البيع على البرنامج مرابحة إذا أربحه وهو لا يعلم الثمن فهو بالخيار إذا علم. وقال أبو ثور إذا اشترى منه متاعا بربح العشرة واحدا ولم يعلم رأس المال كم هو فالبيع باطل وإنما يكون الربح بعد العلم بالثمن ونحو ذلك عند مالك وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم وعن جعدة بن ذكوان عن شريح قال لا بأس ببيع (( ده دوازده)) وبه يقول الثوري وعن معمر قال أنبئت أن بن مسعود كره أن يأخذ للنفقة ربحا وعن معمر عن قتادة عن بن المسيب أنه سأله عن بيع عشرة باثني عشر قال لا بأس به ما لم يأخذ للنفقة ربحا وعن معمر عن قتادة عن نوح بن أبي بلال قال سمعت سعيد بن المسيب يقول لا بأس ببيع ده دوازده ما لم يحسب الكراء وقال عبد الرزاق أخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرني عبد الرحمن بن عجلان عن إبراهيم النخعي قال لا بأس أن يأخذ للنفقة ربحا قال عبد الرزاق قال سفيان ربح النفقة أجر الغسال وأشباهه قال. وأخبرنا الثوري عن عمار الدهني عن بن أبي نعم عن بن عمر قال بيع ((ده دوازده)) ربا قال. وأخبرنا الثوري عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن مسروق أنه كره بيع ((ده دوازده)). قال. وأخبرنا بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يكره بيع ((ده دوازده)) وقال ذلك بيع الأعاجم قال. وأخبرنا الثوري عن سالم الضبي عن إبراهيم قال لا بأس أن يرقم على الثوب أكثر ما قام به ويبيعه مرابحة لا بأس بالبيع على الرقم قال. وأخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرنا عبد الرحمن بن عجلان قال سألت إبراهيم النخعي قلت الرجل يشتري الثوب فيرقمه فيزيد في رقمه كراءه وغيره ثم يبيعه مرابحة على الرقم قال أليس ينظر المتاع وينشره قلت بلى قال لا بأس به قال أبو عمر أما قول إبراهيم في تجويزه أنه يريد في الرقم الكراء والنفقة فقد أجاز ذلك من الفقهاء من ذكرنا قوله واختلفوا هل يأخذ لذلك ربحا أم لا ولا قوله لا بأس بأن يرقم على الثوب أكثر ما قام به ويبيعه مرابحة فالمعنى فيه أنه يقول قد ربحت على ثوبي وربحت كذا وكذا وأنا لا أبيعه إلا بكذا وكذا زيادة على ما رقمه به فهذا كالمساومة لأنه لا يقول له مقام علي بكذا ولا أشتريه بكذا وكذا قال مالك والكذب لم يحل له بإجماع العلماء وللمشتري أن يقول له لا أرضاه برأس ماله فكيف بالزيادة عليه وبما كسبته فيه وقد كره جماعة من العلماء ذلك لأنه باب من المكر والخديعة وليس كل العامة يعرف ذلك وربما توهم المشتري أنه يقول له بذلك اشتريت أو بكذا قام علي وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري وقال أخبرني واصل بن سليم عن طاوس أنه ذكر له قول إبراهيم فقال لا أبيعن سلعتي بالكذب قال. وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين أنه كان يكره أن يقول أربحني على هذا الرقم ولا أرى بأسا أن يقول زدني على الرقم بكذا وكذا قال أبو عمر هذا لما ذكرت لك لأنه إذا قال له ربحني على الرقم كذا أوهمه أن الرقم هو ما اشتراه به أو ما قام عليه به عند من أجاز ذلك أيضا وبالله التوفيق. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في البيع على البرنامج مرابحة إذا أربحه وهو لا يعلم الثمن فهو بالخيار إذا علم. 1332- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)). قال مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه. 1333- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أيما بيعين تبايعا فالقول ما قال البائع أو يترادان)). قال أبو عمر جعل مالك - رحمه الله - حديث بن مسعود هذا كالمفسر لحديث بن عمر يقول إن المتبايعين قد يختلفان قبل الافتراق فلو كان كل واحد منهما بالخيار لم تجب على البائع يمين ولا تراد لأن التراد إنما يكون فيما قد تم من البيوع والله أعلم فكأنه عنده منسوخ لأنه لم يدرك العمل عليه واستدل على نسخه بحديث بن مسعود الذي أردفه بقول القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا وقد قال مالك وذكر له حديث ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فقال قد جاء هذا الحديث ولعله أن يكون شيئا قد ترك فلم يعمل به وقال في رجل وقف سلعته للسوم فأعطى بها ما طلب فيها فقال لا أبيعها فالبيع له لازم فإن قال إنما كنت لاعبا وأردت اعتبار ثمنها فيحلف على ذلك فإن لم يحلف لزمه البيع قال الطحاوي كل من لم يقل بحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا من مكانهما يلزمه البيع ولا يلتفت إلى يمينه في قوله كنت لاعبا ومن يقول المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار حتى يفترقا أحرى ألا يقول بقول مالك في ذلك قال ولم يقل بقول مالك أحد من الفقهاء في أنه لا يلزمه البيع وقد أعطى ما طلب في سلعته التي وقفها للبيع وساوم الناس فيها قال أبو عمر حديث بن مسعود حديث منقطع لا يكاد يتصل وإن كان الفقهاء قد عملوا به كل على مذهبه الذي تأوله فيه فمن أسانيد هذا الحديث ما رواه حفص بن غياث عن أبي العميس قال أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده قال اشترى الأشعث رقيقا من رقيق الخمس من عبد الله بن مسعود بعشرين ألفا فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم فقال إنما أخذتهم بعشرة آلاف فقال عبد الله فاختر رجلا يكون بيني وبينك قال الأشعث أنت بيني وبين نفسك قال عبد الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)) هذا رواه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه وكذلك هو في روايتنا في مصنفه من السنن وذكره بن الجارود عن محمد بن يحيى عن عمرو بن حفص عن أبيه عن أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث وكيف كان الأمر فهو غير متصل ولا مسند وذكر أبو داود أيضا قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني هشيم قال أخبرنا بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن بن مسعود باع من الأشعث بن قيس رقيقا فذكر معناه وهذا لا يتصل لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يختلفوا أنه لم يسمع من أبيه وروى هذا الحديث أيضا الشافعي وبن أبي شيبة والحميدي عن بن عيينة عن بن عجلان عن عوف بن عبد الله عن بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار)) ورواه القطان عن بن عجلان مثله بإسناده وهذا أيضا غير متصل بل هو بين الانقطاع وسنذكر ما للعلماء في معنى هذا الحديث بعد الفراغ من القول في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا - إن شاء الله عز وجل)) وأجمع العلماء من أهل الفقه بالحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) من أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول لا يختلفون في ذلك وإنما اختلفوا في القول به وادعا النسخ فيه وتخريج معانيه وقد اختلف الحفاظ في ألفاظه فرواية مالك عن نافع ما ذكرناه عنه في ((الموطأ)) ورواية أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه ((اختر)) هكذا قال حماد بن زيد عن أيوب ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن أيوب بإسناده بلفظ حديث مالك ومعناه ورواه بن عليه عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال البيعان بالخيار حتى يفترقا أو يكون بيع خيار قال وربما قال فيه نافع أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ولفظ عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ((كل بيع فلا بيع بينهما حتى يفترقا إلا بيع الخيار)) ورواه بن جريج عن نافع قال أملى علي نافع أنه سمع بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار حتى يفترقا أو يكون بيعهما عن خيار وإذا كان عن خيار فقد وجب)). قال نافع كان بن عمر إذا تبايع الرجل ولم يخبره وأراد أن لا يقبله قام فمشى هنيهة ثم وقع وهذه الألفاظ كلها معناها واحد ولا تدافع في شيء منها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا)) من وجوه كثيرة من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة الأسلمي وعبده الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وقد ذكرت أسانيدها وطرقها في ((التمهيد)). وأما اختلاف الفقهاء في القول فقول مالك ما ذكره في موطئه ومذهبه في جماعة أصحابه أنه لا خيار للمتبايعين إذا عقدا بيعهما بالكلام وإن لم يفترقا بأبدانهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول إبراهيم النخعي وأهل الكوفة وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطائفة من أهل المدينة وهو قول الثوري في رواية عبد الرزاق عنه قال سفيان الصفقة باللسان وقال محمد بن الحسن معنى الحديث إذا قال البائع قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قبلت ورواه عن أبي حنيفة وقال عن أبي يوسف المتبايعان في هذا الحديث هما المتساويان فإذا قال بعتك بعشرة فللمشتري خيار القبول في المجلس وللبائع خيار الرجوع فيه قبل قبول المشتري وعن عيسى بن أبان نحوه وقال بعض أصحاب أبي حنيفة التفرق أن يتراضيا بالبيع فإذا تراضيا فقد تفرقا قال والتفرق قد يكون بالقول كما يقال للمتناظرين إذا قاموا عن المجلس عن أي شيء افترقتم وقال الله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) النساء 130. وأما افتراقهما بالكلام قال ومعنى قوله في المتبايعين أنهما بالخيار وهو قول الرجل للرجل قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فله أن يرجع عن قوله ذلك ما لم يقل الآخر قد قبلت فهذا موضع خيار البائع فلو قال المشتري قد قبلت فقد افترقا وتم البيع بينهما وقال غيره من الكوفيين التفرق أن يقبل في المجلس فإذا قام أحدهما من المجلس قبل أن يقبل صاحبه بطل الخيار قال وفائدة هذا الوجه أن المشتري إذا لم يجب البائع من فوره أي قد قبلت لم يضره ذلك فلم ينقطع خيارهما حتى يتفرقا من مجلسهما قال أبو عمر هذان التأويلان فاسدان مخالفان لمعنى الحديث وظاهره لأن الخيار فيهما للبائع خاصة وحديث مالك في أول الباب يقتضي بفسادهما لقوله صلى الله عليه وسلم ((المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا وسنبين ضعف تأولهما في الحديث فيما بعد - إن شاء الله عز وجل وكان أبو حنيفة يرد هذا الحديث بالاعتبار كفعله في سائر أخبار الآحاد يعرضها على الأصول المجتمع عليها ولا يقبلها إذا خالفها ويقول أرأيت إن كانا في سفينة أو قيد متى يفترقان وهذا أكثر عيوبه وأعظم ذنوبه عند أهل الحديث واحتجاجهم بمذهبهم في رفع ظاهر الحديث طويل أكثره تشعيب لا معنى له لأن الأصول لا يرد بعضها ببعض وقد ذكرنا أكثرها في ((التمهيد)) وقال الثوري في ((جامعه)) والليث بن سعد وعبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود إذا عقد المتبايعان بيعهما فكل واحد منهما بالخيار في إتمامه وفسخه ما داما في مجلسهما لم يفترقا بأبدانهما والتفرق في ذلك كالتفرق في الصرف سواء وهو قول بن أبي ذئب في طائفة من أهل المدينة وقول سوار قاضي البصرة وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وشريح القاضي وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وطاوس والزهري وبن جريج ومعمر ومسلم بن خالد الزنجي والدراوردي ويحيى القطان وبن مهدي وقال الأوزاعي المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا في بيوع ثلاثة بيع السلطان في الغنائم وبيع الشركاء في الميراث وبيع الشركة في التجارة فإذا صافقه فقد وجب البيع وليسا فيه بالخيار قال وحد الفرقة ما كانا في مكانهما ذلك حتى يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه قال وإذا خيره فاختار فقد وجب البيع وإن لم يفترقا قال أبو عمر كل من أوجب الخيار يقول إذا خيره في المجلس فاختار فقد وجب البيع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أو يقول أحدهما لصاحبه اختر)) وفعل بن عمر تفسير ذلك وقد تقدم ذكره وهو راوي الحديث والعالم بمخرجه ومعناه وقال الليث بن سعد التفرق أن يقوم أحدهما. وقال الشافعي كل متبايعين في بيع عين حاضرة أو سلم إلى أجل أو دين أو صرف أو غير ذلك تبايعا وتراضيا ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي تبايعا فيه فلكل واحد منهما - إن شاء - فسخ البيع كان ذلك له ما داما في الموضع الذي عقدا فيه بيعهما إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر إن شئت إمضاء البيع أو رده فإن اختار وجها من ذلك لزمه وانقطع عنه خيار المجلس وإن لم يتفرقا فإن عقدا بيعهما على خيار مدة يجوز الخيار إليها كانا على ما عقدا من ذلك ولم يضرهما التفرق وسنذكر اختلافهم في مدة أيام الخيار بعد إن شاء الله تعالى وبهذا كله قال أبو ثور وأحمد وهو معنى قول الجميع واختلف المتأخرون من أصحابنا المالكيين في معنى قول مالك في ((الموطأ)) بأكثر قول النبي صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا قال مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه)) فقال بعضهم دفع مالك هذا الحديث بإجماع أهل المدينة على معنى الخلاف به فلما لم ير أحد يعمل به قال ذلك القول وإجماعهم عنده حجة كما قال أبو بكر بن عمرو بن حزم إذا رأيت أهل المدينة قد أجمعوا على شيء فاعلم أنه الحق قال وإجماعهم عند مالك أقوى من خبر الواحد فقال بعضهم لا يجوز لأحد أن يدعي في هذه المسألة إجماع أهل المدينة لأن الاختلاف فيها موجود بها قال وإنما معنى قول مالك وليس لهذا عندنا حد معروف أي ليس للخيار عندنا حد معروف لان الخيار عنده ليس محدودا بثلاثة أيام كما حده الكوفيون والشافعي بل هو على حسب حال المبيع فمرة يكون ثلاثة ومرة أقل ومرة أكثر وليس الخيار في العقار كهو في الدواب والثياب هذا معنى قوله ذلك قال أبو عمر لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسألة لأن الاختلاف فيها بالمدينة معلوم وأي إجماع يكون في هذه المسألة إذا كان المخالف فيها منهم عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وبن شهاب وبن أبي ذئب وغيرهم وهل جاء فيها منصوصا الخلاف إلا عن أبي الزناد وربيعة ومالك ومن تبعه وقد اختلف فيها أيضا عن ربيعة فيما ذكر بعض الشافعيين وقال بن أبي ذئب وهو من جلة فقهاء المدينة من قال إن البيعين ليسا بالخيار حتى يفترقا استتيب وجاء بقول فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء. وأما احتجاج الكوفيين وغيرهم بعموم قول الله عز وجل (أوفوا بالعقود) [المائدة 1]. قالوا وهذان قد تعاقدا وفي هذا الحديث إبطال الوفاء بالعقد فهذا ليس بشيء لأن المأمور به من الوفاء به من العقود ما لم يبطله الكتاب أو السنة كما لو عقدا بيعهما على ربا أو سائر ما لا يحل لهما واحتجوا أيضا بقوله -عليه السلام- ((من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه)). قالوا فقد أطلق بيعه إذا استوفاه قبل الافتراق وبعده وهذا عند من خالفهم مرتب على خيار المتبايعين قبل الافتراق لأنه ممكن استعمالهما معا فكيف يدفع أحدهما بالآخر مع إمكان استعمالهما واحتجوا بكثير من الظواهر والعموم مع إجماعهم على أنه لا يعترض في العموم بالخصوص ولا بالظواهر على النصوص وقالوا قوله صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) على الندب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ((من أقال نادما في بيع أو قال في بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة)) وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)). وقال الشافعي أما قوله صلى الله عليه وسلم ((من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته)) فهذا على الندب لا شك فيه ولفظه يدل على ذلك. وأما قوله ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) فليس في لفظه شيء يدل على الندب وإنما هو حكم وقضاء وشرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد خلافه برأيه قالوا. وأما قوله في حديث عمرو بن شعيب لا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلفظ منكر لإجماع علماء المسلمين أنه جائز له أن يفارقه ليتم بيعه وله أن لا يقيله إلا أن يشاء وقوله ((لا يحل)) لفظة منكرة بإجماع وبان أن الإقالة ندب وحصر لا إيجاب وفرض ومما يزيد ذلك بيانا فعل بن عمر - رضي الله عنه فإنه كان إذا أراد أن يجب له البيع مشى حتى يفارق صاحبه ويغيب عنه وهو الذي روى الحديث وعلم معناه ومخرجه. وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يوسف عن سالم قال قال بن عمر كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم نفترق فتبايعت أنا وعثمان ما لا بالوادي بمال كثير فلما بايعته طفقت القهقري على عقبي خشية أن يرادني عثمان البيع قبل أن أفارقه قال أبو عمر في قول بن عمر كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم نفترق دليل على أن الافتراق عن المجلس كان أمرا معمولا به عندهم في بيعاتهم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرنا إسماعيل بن أمية عن نافع قال كان بن عمر إذا اشترى شيئا مشى ساعة قليلا ليتم له البيع ثم يرجع وروى سفيان بن عيينة عن بن جريج عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا اشترى السلعة فأراد ألا يقيل صاحبه مشى شيئا قليلا ثم رجع وعن أبي برزة الأسلمي في رجل اشترى فرسا من رجل ثم أقام بقية يومهما وليلتهما لم يفترقا وندم أحدهما فلم يرد الآخر إقالته فاختصما إلى أبي برزة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) وما أراكما افترقتما وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا خالفهما من الصحابة فيما ذهبا إليه من ذلك وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن شريح أنه شهده يختصم إليه في رجل اشترى من رجل بيعا فقال إني لم أرضه فقال الآخر بل قد رضيته فقال شريح بينتك أنكما تصادرتما عن رضا بعد البيع أو خيار وإلا فيمينه بالله ما تصادرتما بعد البيع عن رضا ولا خيار قال. وأخبرنا الثوري عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن شريح قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال عبد الرزاق قال هشام بن يوسف - قاضي صنعاء إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس ينبغي أن يترك إلا أن يأتي عنه خلافه ومما احتج به من لم ير للمتبايعين خيارا في المجلس أن يكون التفرق بالكلام كعقد النكاح أو كوقوع الطلاق الذي سمى الله فراقا قالوا والتفرق بالكلام في لسان العرب معروف كما هو بالأبدان واحتجوا بقول الله عز وجل (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) [النساء 130]. وبقوله تعالى (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) آل عمران 105 وبقوله عز وجل (فرقوا دينهم) [الأنعام 159]. وبقوله صلى الله عليه وسلم ((تفترق أمتي)) ونحو هذا مما لم يرد به الافتراق بالأبدان فيقال لهم أخبرونا عن الكلام الذي وجب به الإجماع في البيع وتمت به الصفقة أهو الكلام الذي أريد به الافتراق في الحديث المذكور أو غيره فإن قالوا هو غيره فقد أحالوا وجاؤوا بما لا يعقل لأنه ليس ثم كلام غيره وإن قالوا هو ذلك الكلام بعينه قيل لهم كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا عليه وبه تم بيعهما له افترقا هذا ما لا يفهمه ذو عقل وإنصاف. وأما قول من قال المتبايعان هما المتساومان فلا وجه له لأنه لا يكون حينئذ في الكلام فائدة لأنه معقول أن كل واحد في ماله وسلعته بالخيار قبل السوم وما دام قبل الشراء متساوما حتى يمضي البيع ويعقده ويرضاه وكذلك المشتري بالخيار قبل الشراء وفي حين المساومة أيضا هذا معلوم بالعقل والفطرة والشريعة وإذا كان هذا كذلك بطلت فائدة الخبر وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما لا فائدة فيه. وأما حديث بن مسعود في اختلاف المتبايعين فقد قال مالك في ((الموطأ)) الأمر عندنا في الرجل يشتري السلعة من الرجل فيختلفان في الثمن فيقول البائع بعتكها بعشرة دنانير ويقول المبتاع ابتعتها منك بخمسة دنانير إنه يقال للبائع أن شئت فأعطها للمشتري بما قال وإن شئت فاحلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت فإن حلف قيل للمشتري إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع وإما أن تحلف بالله ما اشتريتها إلا بما قلت فإن حلف بريء منها وذلك أن كل واحد منهما مدع على صاحبه وروى بن القاسم عن مالك أن السلعة إن كانت قائمة بيد البائع أو بيد المشتري فسواء ويتحالفان ويترادان وقال بن القاسم ان قبضها المبتاع وفاتت عنده بتمام أو نقصان أو تغير سوق أو بيع أو كتابه أو هبة أو هلال أو تقطيع في الثياب أو كانت دارا فبناها أو طال الزمان فتغيرت المساكن ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه وروى بن وهب عن مالك أنهما يتحالفان إذا كانت السلعة قائمة عند البائع. وأما إذا بان بها المشتري إلى نفسه فالقول قوله مع يمينه ولا يتحالفان وقال سحنون رواية بن وهب عن مالك هو قول مالك الأول وعليه أكثر الرواة ثم رجع مالك إلى ما رواه بن المسيب قال وقال بن القاسم إذا تحالف رد البيع إلا أن يرضى المبتاع أن يأخذها بما قال البائع قبل الفسخ وقال سحنون بل بتمام التحالف ينفسخ البيع قال وهو قول شريح إذا تحالفا ترادا وإن نكلا ترادا وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ترك البيع يريد على قول الحالف وروى بن المواز عن بن القاسم مثل قول شريح وقال عبد الملك بن حبيب إن حلفا فسخ وإن نكلا كان القول قول البائع وذكره عن مالك قال أبو عمر الخبر الذي ذكره سحنون عن شريح من طرقه عنه ما ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن شريح قال إذا اختلف البيعان في البيع حلفا جميعا فإن حلفا رد البيع وإن نكل أحدهما وحلف الآخر فهو للذي حلف فإن نكلا رد البيع وقال بن وهب وبن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع ويبدأ البائع باليمين ثم يقال للمشتري إما أن تأخذ بما حلف عليه البائع وإما أن تحلف على دعواك وتبرأ فإن حلفا جميعا رد البيع وإن نكلا جميعا رد البيع وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان البيع لمن حلف وسواء عند جميعهم كانت السلعة حاضرة قائمة العين بيد البائع أو بيد المبتاع فإن فاتت السلعة بيد المشتري وهلكت وذهب عينها فإن الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف والحسن بن حي والليث بن سعد ومالكا وأصحابه إلا أشهب - قالوا القول قول المشتري مع يمينه ولا يتحالفان وقال أبو يوسف قال أبو حنيفة القياس في المتبايعين إذا اختلفا فادعى البائع ألفا وخمس مائة وادعى المشتري ألفا أن يكون القول قول المشتري ولا يتحالفان ولا يترادان لأنهما قد أجمعا على ملك المشتري السلعة المبيعة واختلفا في ملك البائع على المشتري من الثمن ما لا يقر به المشتري فهما كرجلين ادعى أحدهما على الآخر ألف درهم وخمس مائة وأقر هو بألف فالقول قوله إلا أنا تركنا القياس للأثر في حال قيام السلعة فإذا فاتت السلعة عاد القياس قال أبو عمر كأنه يقول لما جاء في الحديث أو يترادان علم أنه أراد رد الأعيان فإذا ذهبت الأعيان خرج من ظاهر الحديث لأن ما قد فات بيد المبتاع لا سبيل إلى رده وصار البائع مدعيا لثمن لا بينة له به وقد أقر له المشتري ببعضه فكان القول قوله مع يمينه لأنهما قد دخلا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ((البينة على المدعي واليمين على المنكر)). وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وعبيد الله بن الحسن - قاضي البصرة - وهو قول أشهب صاحب مالك أن المتبايعين إذا اختلفا في الثمن يتحالفان ويتفاسخان أبدا كانت السلعة قائمة بيد البائع أو المبتاع أو فاتت عند المبتاع فإن كانت قائمة تراداها وإن كانت فائته ترادا قيمتها ومن حجتهم معنى قولهم إن البائع لم يقر بخروج السلعة من ملكه إلا بصفة قد ذكرها أو ثمن قد وصفه لم يقر له المبتاع به وكذلك المشتري لم يقر بانتقال الملك إليه إلا بصفة لم يصدقه البائع عليها لأنه متى ذكر ثمنها كذبه البائع فيه والأصل أن السلعة للبائع فلا تخرج عن ملكه إلا بيقين من إقرار أو بينة وإقراره منوط بصفة لم تقم للمشتري بينه بتكذيبها فحصل كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه وقد وردت السنة بأن يبدأ البائع باليمين وذلك -والله أعلم- لأن السلعة له فلا يعطاها أحد بدعواه فإذا حلف خير المبتاع في أخذها بما حلف عليه البائع أن شاء وإلا حلف أنه ما ابتاع إلا بما ذكر كدعوى البائع عليه بأكثر مما ذكر ثم يفسخ البيع بينهما وبهذا وردت السنة مجملة لم تخص كون السلعة بيد واحد دون الآخر ولا فوتها ولا قيام عينها ومعلوم أن التراد إذا وجب بالتحالف والسلعة حاضرة وجب أيضا بعد هلاكها لأن القيمة تقوم مقامها كسائر ما فات في البيوع فقد وجب رده كانت القيمة عند الجميع فيه بدلا منه وقال زفر إن اتفقوا أن الثمن من جنس واحد كان القول في الثمن قول المشتري وإن اختلفا في جنسه تحالفا وترادا قيمة المبيع إن فاتت عينه. وقال أبو ثور إذا اختلف المتبايعان في الثمن فالقول قول المشتري أبدا مع يمينه إذا لم تكن بينه وسواء كانت السلعة قائمة بيد البائع أو بيد المشتري أو فاتت عند البائع أو عند المشتري وهو قول داود وضعفا حديث بن مسعود في هذا الباب ولم يقولا بشيء من معناه. وقال أبو ثور البائع مقر بزوال ملكه للسلعة مصدق للمشتري في ذلك وهو مدع عليه من الثمن ما لا يقر له به المشتري ولا بينة معه فصار القول قول المشتري مع يمينه على كل حال وهو قول داود قال مالك فيمن باع من رجل سلعة فقال البائع عند مواجبة البيع أبيعك على أن أستشير فلانا فإن رضي فقد جاز البيع وإن كره فلا بيع بيننا فيتبايعان على ذلك ثم يندم المشتري قبل أن يستشير البائع فلانا إن ذلك البيع لازم لهما على ما وصفنا ولا خيار للمبتاع وهو لازم له إن أحب الذي اشترط له البائع أن يجيزه قال أبو عمر سواء عند مالك البائع والمشتري باشتراط خيار البيع المستشار إذا رضي المستشار الذي اشترط رضاه فالبيع جائز وليس للبائع ولا للمشتري الخيار والخيار لفلان الذي أشترط رضاه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه يجوز عنده شرط الخيار لغير العاقد فإن أمضى البيع جاز وإن نقضه انتقض فإن رضيه المشتري وقال الذي له الخيار لا أرضى فالقول قول المشتري ولو رضي الذي له الخيار وإن أراد المشتري رده لم يكن ذلك للمشتري وعن الشافعي روايتان إحداهما أنه لا يجوز اشتراط الخيار لغير العاقد إلا أن يجعله وكيلا والأخرى كقول مالك لأن من باع واشترط رضا غيره فالرضا للغير وإن قال على أن أستأمر فلانا لم يرد إلا أن يقول استأمرته فأمرني بالرد. وقال أبو ثور إن أختار المشتري الرد والذي له الخيار والإمساك فالقول قول الذي اشترط خياره والمشتري والبائع في ذلك عندهم كلهم سواء واختلفوا في الوكيل يشترط الخيار للآمر فقال مالك لا يجوز رضا الوكيل إذا اشترط الخيار للموكل حتى يرضى الموكل. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا اشترط الوكيل بالشراء الخيار للآمر وادعى البائع أن الآمر قد رضى وادعى لم يصدق ولا يمين على الوكيل المشتري وإن أقام بينه قبلت ولو قال المشتري قد رضي الآمر تم البيع ولو قال الآمر في مدة الخيار لم أرض فالقول قوله ويلزم البيع الوكيل المشتري ويجيء على قول الشافعي ومذهبه قولان في هذه المسألة أحدهما كقول مالك والآخر أن للوكيل أن يرد إذا اشترط الخيار في الآمر دون استئمار الآمر قياسا على قوله إن للوكيل أن يرد بالعيب دون الآمر واختلفوا فيما يجوز اشتراطه من المدة في شرط الخيار فقال مالك يجوز اشتراط شهر وأكثر وروى عنه أشهب فيشترط ما شاء من الخيار ما لم يطل جدا وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال لا يعجبني طول الخيار وقال بن القاسم وغيره عن مالك يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين وما أشبه ذلك وما كان أكثر من ذلك فلا خير فيه وفي الجارية تكون أبعد من ذلك قليلا الخمسة الأيام والجمعة ونحو ذلك وفي الدابة اليوم وما أشبهه لركبها المعرف ويخير وسيستشير فيها وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه ولا فرق عند مالك بين شرط الخيار للبائع أو المشتري وقال الحسن بن حي إذا قال البائع للمبتاع اذهب فأنت بالخيار أبدا فهو بالخيار أبدا حتى يقول قد رضيت ولا أدري ما الثلاث قال والوطء في الجارية رضا قال أبو عمر سنذكر اختلافهم في مدة الخيار جملة بغير توقيت فيما بعد إن شاء الله - عز وجل وقال الأوزاعي أحب الأجل إلينا في الخيار ثلاثة أيام للذي جاز عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحفلة أنه بالخيار ثلاثة أيام ورواه الوليد بن مسلم عنه وروى غيره عنه جواز شرط الخيار شهر أو أكثر وهو قول بن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق كل هؤلاء لا يجوز عندهم اشتراط الخيار شهر أو أكثر وذلك لازم عندهم إلى الوقت المشترط المحدود وهو قول داود ولم يفرقوا بين أجناس المبيعات كما ذكر بن القاسم عن مالك وحجة من أجاز الخيار أكثر من ثلاث قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم)) وقال الليث بن سعد يجوز الخيار اليوم واليومين والثلاثة وما بلغنا فيه وقت إلا أنا نحب أن يكون ذلك قريبا من ثلاثة أيام وقال الثوري وبن شبرمة لا يجوز اشتراط الخيار للبائع بحال قال الثوري إن اشترط البائع الخيار فالبيع فاسد قال ولا يجوز الخيار للمشتري عشرة أيام وأكثر. وقال الشافعي وأبو حنيفة وزفر لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاث في شيء من الأشياء فإن اشترط البائع أو المبتاع الخيار أكثر من ذلك فسد البيع وإن كان الخيار ثلاثا فما دونها جاز للبائع والمبتاع قال الشافعي ولولا أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاز الخيار أصلا في الثلاث ولا في غيرها قال أبو عمر لا يجوز الخيار عند جمهور العلماء وجماعتهم فيما يجب تعديله في المجلس مثل الصرف والسلم لأنه خلاف الأصول المجتمع عليها ومن الأصول المجتمع عليها عند الفقهاء أنه لا يجوز أن يشترط على البائع في عقد الصفقة منعه من التصرف في ثمن ما باعه ولا على المبتاع مثل ذلك فيما ابتاعه وشرط الخيار يوجب جواز ما منعت السنة المجتمع عليها قبل جوازه فلما ورد الحديث بأن ذلك جائز في ثلاثة أيام لم يجز أن تزاد على ذلك كما لا يجوز أن يزاد على الخمسة الأوسق في العرايا قال أبو عمر حد الخيار ثلاث مذكور في حديث المصراة رواه عبيد الله بن عمر وغيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام)) ومن حديث نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وكان يخدع في البيوع إذا بعت فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثة أيام)) هكذا يرويه بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب إلا بيع الخيار وفي قوله في غير رواية مالك فيه أن يكون بيعهما عن خيار فقال منهم قائلون هو الخيار المشروط من كل واحد منهما ثلاثة أيام أو نحوها مما يجوز في مدة الخيار هذا قول الشافعي وأبي ثور وجماعة وقال آخرون معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((إلا بيع الخيار قوله إلا أن يكون بيعهما عن خيار هو أن يقول أحدهما بعد تمام البيع لصاحبه أختر إنفاذه أو فسخه فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهما وإن لم يفترقا بأبدانهما ولا خيار لواحد منهما بعد ذلك هذا قول الثوري والليث بن سعد والأوزاعي وبن عيينة وعبيد الله بن الحسن وإسحاق بن راهويه وروي هذا المعنى أيضا عن الشافعي وروي نحوه عن طاوس وجماعة من التابعين وكان أحمد بن حنبل يقول هما بالخيار أبدا قالا هذا القول أو لم يقولا حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما للاختلاف في اللفظ الزائد وأجمع الجمهور من الفقهاء أن مدة الخيار قبل أن يفسخ من له الخيار البيع تم البيع ولزمهما جميعا ساعة انقضاء المدة. وقال مالك إذا اشترط المشتري الخيار لنفسه ثلاثة أيام فأتى به بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار أو من الغد أو قرب ذلك فله أن يرد وإن تباعد ذلك لم يرد وهو رأي بن القاسم قال. وقال مالك إن اشترط أنه إن غابت الشمس من أيام الخيار فلم يأت بالثوب لزم البيع فلا خير في هذا البيع وهذا مما انفرد به مالك لم يتبعه عليه إلا بعض أصحابه واختلفوا في اشتراط الخيار إلى مدة غير معلومة فقال مالك ذلك جائز ويجعل السلطان له في ذلك من الخيار ما يكون في مثل تلك السلعة. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا جعل الخيار بغير مدة معلومة فسد البيع كالجعل الفاسد والثمن الفاسد وإن أجازه في الثلاث جاز عند أبي حنيفة وإن لم يجزه حتى مضت الثلاثة الأيام لم يكن له أن يجيز وقال أبو يوسف ومحمد له أن يختار بعد الثلاث وكذلك قولهم فيمن اشترط له الخيار أكثر من ثلاث أنه إذا أجازه في الثلاث جاز. وقال الشافعي لا يجوز وإن أجازه في الثلاث لأنه بيع قد فسد باشتراط أكثر من ثلاث وقياس قوله فيمن اشترط الخيار لمدة غير معلومة أنه لا يجوز وإن أجازه في الثلاث وقالت طائفة منهم الحسن بن حي وغيره جائز إذا اشترط الخيار بغير مدة مذكورة ويكون له الخيار أبدا وقال الطبري إذا لم يذكر للخيار وقتا معلوما كان البيع صحيحا والثمن حالا وكان له الخيار في الوقت إن شاء أمضى وإن شاء رد واختلفوا في الخيار هل يورث فعند مالك والشافعي وأصحابهما وعبيد الله بن الحسن يورث ويقوم ورثة من له الخيار مقامه إلى انقضاء الأمر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابهما يبطل الخيار بموت من له الخيار ويتم البيع واختلفوا فيمن المصيبة منه إذا هلك المبيع في أيام الخيار فعند مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي هلاكه من البائع والمشتري أمين وهو قول بن أبي ليلى إذا كان الخيار للبائع خاصة وقال الثوري إذا كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقد قدمنا عنه أن الخيار للبائع ولا يجوز. وقال أبو حنيفة إذا كان الخيار للبائع فالمشتري ضامن للقيمة وإن كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقد تم البيع على كل حال بالهلاك وحكى الربيع مثل ذلك عن الشافعي وذكر المزني عنه إذا كان له الخيار فالمشتري ضامن للقيمة إذا هلك في يده بعد قبضه له فهذه أصول مسائل الخيار. وأما الفروع فلا تكاد تحصى وليس في مثل كتابنا هذا نتقصى.
|